حقيقة الخلاف بين أهل السنة والأحناف في مسألة الإيمان
السؤال: هل الخلاف الواقع بين أهل السنة والجماعة وبين الأحناف خلاف لفظي أو حقيقي؟ وهل صحيح أن الإمام أبي حنيفة عنده شيء من الإرجاء؟
الجواب: الحقيقة أن الإمام أبا حنيفة قال: إن الإيمان هو القول والإقرار والاعتقاد فقط، ولم يجعل العمل داخلاً في الإيمان، وهذا ثابت عن الإمام أبي حنيفة، وهو بهذا المعنى مرجئ، لكن الإرجاء على نوعين: إرجاء الفقهاء أو إرجاء العباد، وإرجاء المتكلمين أو إرجاء الجهمية.
أما إرجاء الجهمية فإنهم يقولون: إن الإيمان هو التصديق القلبي فقط، وإرجاء الحنفية أو إرجاء الفقهاء يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار باللسان، ولكن الأعمال غير داخلة في الإيمان، ورُد عليهم بما ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة، كما في كتاب الإيمان من صحيح البخاري، أن الصوم من الإيمان، وأن قيام ليلة القدر من الإيمان، وأن اتباع الجنائز من الإيمان، وهكذا فكلها تدل على أن العمل من الإيمان، وكذلك لما سُئِلَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أي العمل أفضل؟ قال: إيمانٌ بالله وبرسوله} فالعمل إيمان والإيمان عمل.
ومذهب الإمام أبي حنيفة على فهمين: منهم من فهم إدخال عمل القلب في الإيمان وهي اليقين والإنابة والإخلاص والصدق والرغبة وما إلى ذلك، فكل الإيمان الباطن يجعله من الإيمان، ويجعل القول من الإيمان، فيكون عنده أن أركان الإيمان ثلاثة وهي: قول القلب وعمل القلب وقول اللسان وأخرجوا عمل الجوارح وهو الرابع عند أهل السنة والجماعة، ثم جاء أبو منصور الماتريدي الحنفي وقال: لا. حقيقة الإيمان عند أبي حنيفة مثله عند جهم، فجعلوه كـجهم، قالوا: يقصد فقط قول القلب، وهو التصديق، فعمل القلب غير داخل، والعمل غير داخل في الإيمان عند أبي حنيفة، والذي نظنه نحن بـأبي حنيفة أنه لا يخرج عمل القلب، لكن الحنفية يخرجون عمل القلب.
أما الفرق، هل هو لفظي أم حقيقي؟ فإن شارح العقيدة الطحاوية يقول: إن الخلاف لفظي، وبعض المواضع لشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية يقول: الخلاف لفظي، فهل هذا الكلام على إطلاقه؟ لا. الخلاف لفظي باعتبار وحقيقي باعتبار، فهو لفظي إذا قلنا: إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله يقول: إنه يجب على الإنسان أن يصلي ويزكي، وأنه إن لم يفعل ذلك كان صاحب كبيرة، وأن الله يعذبه على ذلك، وأن العمل مطلوب ومشروع، وأهل السنة يقولون: إن العمل مطلوب ومشروع وعليه أن يصلي ويزكي، وفي الآخرة كلهم متفقون على أنه مؤاخذ وأنه آثم، فعلى هذا يكون الخلاف بهذا الاعتبار لفظي؛ لأن المؤدى في النتيجة عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واحد، لكن الخلاف من الناحية الأخرى حقيقي، فمثلاً: إنسان فاسق شارب خمر فهو عند أبي حنيفة مؤمن كامل الإيمان، لأن الإيمان عنده هو التصديق والإقرار باللسان، لكن نحن لا نطلق عليه أنه مؤمن، فالخلاف هنا حقيقي، وكذلك من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ومن يقول: إنه يزيد وينقص، فبينهما خلاف حقيقي، لأن هذا تكذيب، أو رد للنص وإن كان هو بتأويل وباجتهاد، لكن هو في الحقيقة رد للنص، ولا نقول إن الإمام أو من اتبعه على ذلك يؤاخذ، لأن الخطأ في الاجتهاد مغفور لكن لا يجوز لنا نحن أن نتابعه وأن نوافقه فيه، فالخلاف إذاً حقيقي باعتبار ولفظي باعتبار.